الصورة الذهنية للواقع المروري من وحي التجارب اليومية
الصورة الذهنية للواقع المروري من وحي التجارب اليومية
08/05/2024

على قارعة الطريق وفي رحلات السفر عبر الخطوط الطويلة والبينية  تقع الكثير من الأحداث والقضايا المرورية التي يتعرض لها او يعيشها  الأفراد والجماعات من مستخدمي الطرقات والقاطنين على حوافها، فتحفظ في الذاكرة وتخلد في الوجدان وتتعرض لعمليات التحليل والتأويل والتفكير والفحص والتمحيص  ،  و تمر بمراحل  التعرض والإدراك والفهم والمقارنة والنقد والعصف الذهني لأسباب ونتائج وآثار ومعالجات القضايا المرورية. 
بالخط العريض تنتشر وتنشر القضايا والأحداث  في أطر سرد الروايات وحكي القصص و التعبير عن التجارب القاسية والاليمة والمآسي التي عاشها وتعرض لها الأفراد في  الحياة المرورية، وتستمر عمليات الاستيعاب والبحث عن الأسباب والعوامل والحلول والملابسات،  وكشف الستار عن المجهول وترتيب المعلوم وتحليل الأبعاد ووصف الأماكن والأحداث والنتائج  وتعليلها،  ورصد الآثار والعواقب، وإصدار الأحكام  وإقرار وتحديد  العقوبات وتنفيذها باقسى الطرق الرادعة،  بعد التماس الأعذار ومراجعة الأعراف والقواعد والقوانين، وربط  الآداب والأخلاق بالوقائع والظروف العامة والخاصة الاجتماعية والاقتصادية والحالة العقلية والنفسية والوضع المعيشي. 
ويبرز الاهتمام والميل نحو المتابعة والبحث عن القضايا والأحداث المرورية  المشابهة ومشاركة الأخرين تجاربهم المماثلة بإعارة الانتباه، واستحضار الأحداث والمخزون الذهني،  ومشاركة النقاش والحوار، وفرز الخسائر البشرية  والآثار النفسية والاجتماعية والمادية والاقتصادية.
ويتشارك الجميع   بالإضافة إلى مشاركتهم نفسيا وعاطفيا ووجدانيا الآلام والمآسي والأحزان وتقمص المواقف والأشخاص، واسداء النصائح واقتراح وتقديم المعالجات والحلول  ، وتوجيه الإنذار والتحذير من تكرار الأحداث والنتائج، والسعي لتشكيل سلوك واعي سوي  والتصرف بحكمة وخبرة عند تجدد المواقف. 
هذا هو جانب من  الوعي المروري في المجتمع  وتشكيله عبر التجربة و الملاحظة بالمشاركة وفق ممارسة السلوك الاجتماعي في الأنساق الاجتماعية والمواقف الحياتية في استخدام الطرقات ووسائل المواصلات  … وتبرز بعض  الصور الجزئية  التي تشكل  الصورة الذهنية للواقع المروري  المدرك نوردها تباعا: 
 
السائق وقيادة المركبات

تلك التجارب الواقعية ترصد الظاهرة المرورية وقضايا السير والحوادث المرورية  والمخالفات  وتجسد أسبابها في العنصر البشري والسائق على وجه التحديد مستويات تعليمه و خبراته وقدراته، ومدى التزامه بالقانون أومخالفته، وتجاوزه القواعد والشروط المرتبطة بالسلامة والأمان وشروط القيادة،  وشخصيته المتهورة، وهفواته المتكررة ،  وسوء تعاطيه مع الطريق والمركبة والأحداث المفاجئة  ،  وتعامله وتقديره للبشر والارواح، وتدني مستوى إدراكه القانون، في إهمال وتجاهل شروط السلامة  ومخالفة قواعد وقوانين واخلاق السير من تهور وتجاوز السرعة،  وطمع بتجاوز الحمولة الزائدة  ، وسوء تقدير المخاطر،  وتجاوزات خاطئة وخطرة،  عكس خطوط السير وقطع إشارات المرور، والقيادة دون أدنى  خبرة، أو معرفة بالإشارات والعلامات المرورية.
بالاضافة الى قيادة المركبات دون مهارة  او خبرة  فنية وميكانيكية او تقنية تفي بغرض إدراك الصلاحية الفنية للمركبة، مع جهل وتجاهل الصلاحية الفنية و التقنية للمركبة، اعطاب واعطال فنية وميكانيكية وتقنية في المكابح الفرامل، ونقص زيوت  وتسربها وتقطع بترول وتحويل غاز وديزل، وارتفاع حرارة وتسرب ونقص المياه ، مع غياب الوسائل المساعدة البصرية والسمعية  فرومات منزوعة، مصابيح مكسرة  والاضاءات معطلة، إهمال حزام الأمان اسطوانة إطفاء الحريق ، والسير رغم تدني مستوى الرؤية ، انشغال بالحديث و المهاترات الجانبية والاتصالات الهاتفية،  سباق وصراع  مع النظراء والاصدقاء، قيادة المركبة مع طول سهر وإعياء،  وقوف متكرر في وسط الطريق وعرض الرصيف وجنبات الخطوط في الشارع العام والاسواق التجارية. 

الصلاحية الفنية والجاهزية للمركبات

ثقافة استخدام السيارات الخاصة، إغراق البلاد بالمركبات ودون ادنى مواصفات أو معايير  ،واستخدام السيارات المهربة والمحولة المتهالكة ومخالفة المواصفات والصلاحية الفنية منتهية والمجهولة وبدون ارقام  ، مع استخدام قطع غيار رديئة وغير مناسبة او مطابقة، كثافة السيارات وتشكيل اختناقات مرورية، بالاضافة الى تسيير  واستخدام السيارات و المركبات المتهالكة والخارجة عن الصلاحية الفنية والميكانيكية، وخضوع معظمها لتحويل و نقل وتغيير نوعية الوقود من بترول الى ديزل وغاز دون  مطابقة مواصفات ماكينة المركبة،  وكذلك كثافة استخدام الدراجات النارية المخالفة لكافة القواعد القانونية،  واهمال وسائل السلامة المرورية وعكس ممرات السير ومخالفة إشارات المرور وتجاوزها. 

الصلاحية  الفنية والتقنية لشبكة الطرقات 

شبكة الطرقات  متهالكة ووعرة،  ترابية في معظمها وغير معبدة، ولا تخلو الاسفلتية من التجاعيد وتسودها الحفر والمطبات وتتخللها تشققات وأخاديد ، تعتريها العيوب الفنية فتغيب عن الأنظار عبر الزمن  ولمسافات طويلة، ومخالفتها المواصفات والمقاييس والمعايير، وتأثير عوامل التعرية وسوء الاستخدام،  وغياب برامج الصيانة والترميم،  ناهيك عن خلوها من علامات واشارات المرور المختلفة،  إلى جانب الأخطاء الفنية والتقنية  والهندسية في شقها وتعبيدها العشوائي، وغياب  التخطيط المدني والحضري، فتبدو ضيقة المساحة غير قابلة للتحديث والتطوير والتوسيع في عدد المسارات او استحداث و تركيب الجسور،  مع توسع الأسواق والمباني على حساب ساحتها ومساحتها. 

انعكاسات تنظيم الارهاب الحوثي على الواقع المروري

 وكان لجماعة الإرهاب الحوثية وانقلابها المشؤوم  وسلوكها التخريبي دور وانعكاسات مدمرة في القضاء على شبكة الطرقات  وتهالكها ومحاصرتها المدن وتقطيع اواصر وممرات وخطوط العبور ودك الجسور والاستحواذ على امكانات وقدرات الدولة،  بالاضافة الى محاصرة وضرب مصادر الإنتاج الوطني وتصدير الموارد  وارهاق الاقتصاد والدخل،  مما استدعى إلى استحداث وشق طرق وعرة في مناطق جبلية والعجز في رصفها و تعبيدها  ، كما  تسببت   تصرفاتها وسلوكها الارهابي والتخريبى بتدمير البنية التحتية ومصادر الإنتاج ومراكز الثروات، وسطوها على مقدرات الدولة ومؤسساتها بما فيها المعنية بشبكة الطرقات وضبط الحركة  المرورية ، وشمل عناصر ومجال حركة السير والحياة المرورية برمتها،  متسببة بما آل إليه الحال والواقع المروري بأبعاده البشرية ووسائله الآلية وبنيته التحتية ووسائل وعناصر ضبط الحركة المرورية واصابتها بمقتل وإخراج كافة الوسائل والبنى التحتية عن الجاهزية والصلاحية الفنية ( شبكة الطرقات،  وسائل النقل والمواصلات، اجهزة الضبط والتنظيم، ووسائل التوعية، الكادر البشري، المجال التشريعي والإداري والتنفيذي) 


الرقابة المرورية وضبط حركة السير

يعتري القانون المروري  انعزاله عن واقع الحياة المرورية  وعدم  مواكبة التغير والتطور في الواقع،  وافتقاره  وسائل الردع،  مع غيابه وتنفيذ أحكامه عن ساحات ومساحات   وسائل التوعية و التواصل والإعلام و أروقة وصفحات وفعاليات وانشطة وبرامج  المؤسسات الثقافية والتعليمية والتنشئة الاجتماعية. 
ناهيك عن استبدال القانون المروري  بقواعد واعراف ثلثين بثلث، والدفع أو الجغر، كل واحد  يصلح مركبته، وتحول الجهود الى الصلح بين طرفي الحادث،  وفي أوقات مختلفة تتحول الحوادث المرورية إلى صراع ومواجهات واحيانا الى حوادث جنائية وجرائم، في سياق المقولة" الصميل خرج من الجنة" بحيازة السائق للصميل في مركبته،  ورصدت بعض الحوادث والقضايا التي استحضر واستعمل السلاح وارتكاب جرائم جنائية جسيمة أعقاب حوادث المرور.
وكثيرا من التصرفات والإجراءات والمخالفات والقضايا  التي تقع على قارعة الطريق من قبل جهات لاعلاقة لها بـ الرقابة والضبط المروري  وتحسب عليه لمجرد مكان الوقوع،   وتصنف وتحسب قصور واخفاقات وفساد متعلقة  و مرتبطة  بمسؤوليات واختصاصات  جهات وأجهزة ومؤسسات أخرى على جهاز الضبط والرقابة المرورية تظليلا وسوء إدراك وخطأ، كما أن لبعض  وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي وسياسة تركيزها على إبراز  أبعاد وزوايا محددة  وتسليط الضوء على أحداث وقضايا محددة دور كبير فهم وإدراك الواقع المروري.   
وفي ظل هذه الإخفاقات والثقافات المرورية والواقع المتشكل المرتبط بدور الحرب والوضع العام ، تبدو إجراءات وجهود مؤسسة وجهاز وعناصر الضبط المروري  والرقابة متواضعه في خضم موجات الثقافة والصورة الذهنية المشوشة والحياة والسلوك المروري والدور الرسمي والاجتماعي ووسائل الضبط والردع للأنساق والمؤسسات والوسائل الإجتماعية المغيبة والباهتة في هذا الإطار و الاختلالات الواردة في مجال وابعاد المكونات الأساسية والوضع العام والمروري. 
الى جانب الافتقار للإمكانيات والقدرات واستحواذ جماعة الارهاب الحوثي  وسطوها على معظم البنية التحتية الوسائل والادوات والآليات الاساسية لعمل جهاز وإدارة الضبط والرقابة المروري وتدميرها للجزء الباقي.
 ومن الإنصاف والعدل منح جهود  استعادة عمل منظومة الضبط المروري وعناصرها مزيد من الوقت والدعم والاسناد بالوسائل والآلات والأدوات والإمكانيات للقيام بالواجب  على اكمل وجه  ومسؤولية.. 
وضرورة تفعيل برامج ووسائل وادوات  فعاليات ووظائف اجهزة ومؤسسات الانساق الاجتماعية  للمجتمع للمشاركة بفاعلية في معالجة المشكلة المرورية وعناصر منظومتها الاساسية من شبكات الطرق وصلاحيتها الفنية وتقييم الصلاحية الفنية للمركبات ومطابقة المواصفات ومعايير وشروط رخص القيادة  وتصريح تسير المركبة وفحص صلاحية الاستخدام،  وتحديث  قواعد وقوانين المرور  وتحديث وسائل  وآليات تنظيم حركة السير و الرقابة  والضبط المروري، وتطوير منظومة الضبط والرقابة المرورية،  ودعم عمليات وبرامج التأهيل والتدريب للكوادر والعنصر البشري ،  وتعزيز الكادر ورفد العنصر البشري والامكانيات المادية.

الصورة الذهنية للواقع المروري

ووفقا للرواية فالكل يدعي البراءة والنزاهة والالتزام بمعايير ومواصفات ونظم وقواعد وقوانين وآداب وأخلاقيات المهنة والوظيفة والعمل بمسؤولية وأداء الواجب والرسالة الإنسانية، والكل يدعي تعرضه للتشويه والحملات ونشر الشائعات،  وينسب للآخر الإخفاق والفساد المالي والاداري ومخالفة القوانين والقواعد والقيم الأخلاقية والمعايير والمواصفات،  ويحمله المسؤولية و يكيل له التهم.

وتحمل الحكاية الحقيقة  المرة ممثلة بوتيرة ارتفاع عدد الحوادث المرورية وضحاياها وفيات وإصابات و مآسي وآلام وتجارب قاسية  وخسائر مادية كبيرة، وتؤكد الاخفاقات والفساد ومخالفة القوانين والقواعد والآخلاق والمواصفات والمعايير التي تقف خلفها وتحمل الجميع المسؤولية عن الوضع والسلوك والحياة المرورية. 

وتنصح الحكايات الكل والجميع الى تحمل المسؤولية والتزام القانون والقواعد واداب  واخلاق استخدام الطريق حماية للأرواح وحقنا للدماء والسلامة للأبدان وتوقيف للماسي  والتجارب القاسية،  وحفاظا على الحقوق وصونا للممتلكات، وبراءة الذمم. 

ويدعو الواقع المروري الجميع ( وسائل إعلام وتواصل اجتماعي وفعاليات ومنظمات ومؤسسات مجتمع مدني وأجهزة وبرامج ومؤسسات تعليمية وعلمية وثقافية وتنشئة اجتماعية وشبابية  ورياضية، ونقابية وإرشاد وتوجيه  ومساجد، وخطباء) إلى المشاركة والمساهمة في نشر الوعي المروري،  بالوعي نعيش بسلام آمنين…